منطقة الشرق الأوسط تعج بالكثير من المشاكل المتشابكة، وأكثرها نابع عن الاستهداف الدولي والإقليمي للمنطقة، إضافة إلى معاناتها مع الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي، فبعد انتهاء عصر الاستعمار القديم، بدأت المنطقة المعاناة مع موجة أخرى مع الاستعمار الجديد منذ اتفاقية سايكس ـ بيكو ، ومنذ ذلك الوقت وهي في مرمى التنافس الدولي والإقليمي الذي يصل إلى حد الصراع، وشهدت المنطقة بعد ذلك توالي الأحداث التي لا تقل خطرًا عن الاستعمار التقليدي، واستعرت تلك المخاطر والتحديات بعد قيام إسرائيل، وانحياز الغرب للأخيرة ما أدى إلى ردود أفعال تعددت أشكالها وأساليبها، وترتب على ذلك ظهور ما يسمى بإرهاب الدولة الذي تمارسه بعض دول المنطقة، وأيضًا ظهور حركات المقاومة ذات الأيدولوجيات المتعددة والتي اتسع مفهومها وتنوعت أهدافها وزادت رقعتها ما جعل بعضها مطية لأجهزة استخبارات عالمية وإقليمية، بل تحول بعضها إلى أدوات لتنفيذ مخططات أجنبية ضد الدول العربية والإسلامية نفسها خاصة بعد أن امتزج الإرهاب بالسياسة وفكرة وصول هذه الجماعات إلى الحكم في بعض الدول، وترسخ ذلك مع اختلاف نظرة الدول الغربية الفاعلة لهذه الجماعات، بل واحتوائها وإيوائها ودعمها واستخدامها كأدوات لتنفيذ مخططاتها في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم تحت مزاعم حرية الرأي والتفكير والمعتقد، بل السماح لها برفع السلاح والاستيلاء على السلطة بالقوة بعد تهيئة السبل والأرضية لتحقيق أهدافها.
ولعل توفير تسليح الميليشيات غير التابعة للدولة، والجماعات الإرهابية يطرح أسئلة وشكوكًا حول الجهات التي توفر هذا السلاح، وكيفية تهريبه، والتدريب على استخدامه، وتوفير الذخيرة اللازمة، خاصة أن بعض هذه الجماعات تستخدم أسلحة ومتفجرات متطورة أكثرها مستورد من خارج الحدود، ويثير الشكوك أيضًا سهولة تحرك هذه الجماعات وعبورها الحدود رغم وجود الأقمار الصناعية وأجهزة التنصت المتطورة، كل ذلك يجعل الدول والجهات التي تقف خلف تسليح الميليشيات ، والجماعات الإرهابية، والمرتزقة الأجانب الذين يخترقون الدول محط شبهات، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما يحدث في ليبيا، السودان، سوريا، لبنان، اليمن، القرن الإفريقي، والعراق وغيرها من الدول التي تعاني من وجود هذه الميليشيات المسلحة.
ولمحاصرة هذه الظاهرة ، الأمر يتطلب تدخل المجتمع الدولي والدول الكبرى والدول الإقليمية للسيطرة على سلاح هذه الميليشيات وحصره بيد الدولة خاصة في الدول ذات الحدود المفتوحة وامتدادها على الصحراء كما هو الحال في ليبيا والسودان ودول الساحل والصحراء، أو في حالة تغول هذه الميليشيات وسيطرتها على قرار الدولة كما هو الحال في لبنان، والعراق، وسوريا، واليمن حيث أصبح حزب الله أقوى من الدولة اللبنانية، وميليشيات الحشد الشعبي أقوى من الحكومة العراقية، وفي سوريا اختلط الحابل بالنابل بين ميليشيات من عهد نظام بشار الأسد، وأخرى جديدة ومقاتلين ممولين من إيران وآخرين من الإيجور في الصين ودول آسيا الوسطى ، وتجري حاليًا مفاوضات لتجنيس هؤلاء بالجنسية السورية حتى لا يعودون إلى بلادهم ويشكلون خلايا جديدة تضر بالأمن الإقليمي والدولي وهذا التوجه تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية .
كل هذا التشابك يتطلب تضافر الجهود الداخلية في الدول المعنية، وتعاون إقليمي تحت مظلة جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، أيضًا تعاون أوسع مع الاتحاد الأوروبي لتأمين الفضاء الأورو ـ متوسطي، ومع الصين وروسيا، ثم مظلة أكثر اتساعًا مع الأمم المتحدة حيث أن هذ الميليشيات تحتاج إلى تفكيك وجمع السلاح وتخزينه، وتأمينه حتى لا يقع في يد جماعات إرهابية أخرى، أو يكون سلعة للتجارة والتهريب، إضافة إلى إعادة تأهيل عناصر هذه الميليشيات وأفراد الجماعات الإرهابية بتصحيح المفاهيم لديهم، وتشغيلهم، وتوفير حياة كريمة لهم حتى لا يعودا إلى النشاطات الإرهابية مرة أخرى، وهذا كله يتطلب مجهودًا شاقًا وتكلفة مالية عالية وتنسيقًا كبيرًا بين أطراف عديدة، ومن الأهمية إعادة تأهيل الدول التي تتمركز فيها هذه الميليشيات بتشكيل حكومات قوية تسيطر على ترابها الوطني وحدودها، وتمارس سلطاتها كاملة على إقليمها الجغرافي، ولن يتحقق ذلك إلا بإخلاص النوايا، وتخلي الدول الطامعة في المنطقة، أو المستفيدة من وجود هذه الميليشيات.
وإذا تحقق ذلك سوف يعود للمنطقة استقرارها وتتفرغ للتنمية بعيدًا عن الصراعات وسقوط بعض دولها في مستنقع الدول الفاشلة، وتعود للدولة الوطنية هيبتها واستقرارها وسيطرتها على قرارها وإبعاد النفوذ الأجنبي وزراعة الخلايا التي تكون رأس حربة لانتهاك سيادة الدول وتسمح للتدخل الخارجي.