تثير توجهات سياسة البيت الأبيض الحالية في العالم كما في الشرق الأوسط فصلًا مثيرًا للجدل في تاريخ العلاقات الدولية، فقد بدأت إدارة الرئيس ترامب بالعديد من القرارات السياسية والأوامر التنفيذية التي خلقت الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والقانونية التي من الممكن أن تحدث تغيرات في ديناميكيات العالم والمنطقة، تفاقم من حدة التوترات. ومن المتوقع أن تكون سياسة ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط امتدادًا لسياسة إدارته الأولى التي اتصفت بالانحياز المطلق إلى إسرائيل وفرض عقوبات شديدة على إيران. وتوحي رؤية إدارة ترامب، وترشيحاته للمناصب الرئيسة فيها، بأن هناك مرحلة من الاضطراب في السياسة الخارجية الأمريكية، تمتد لأربع سنوات قادمة. فقد أكدت تصريحات ترامب وتعيناته لأغلب المواقع الحساسة في السياسة الخارجية، على دعم أمريكي، سياسي وعسكري وقانوني، غير مسبوق لإسرائيل، ومساعدتها الصريحة على التوسع واحتلال مزيدا من الأراضي الفلسطينية.
وعلى الجانب الآخر، وبالرغم من التوقعات الأولية بأن إدارة ترامب ستمارس مزيدًا من الضغط والتحجيم ضد إيران، مما يجعل الملف الإيراني يشهد تصعيدًا جديدًا، إلا أن ما تمخض عن المفاوضات غير المباشرة في مسقط، أشار إلى أن هناك محاولة لتخفيف التوترات وتجنب صراع آخر في الشرق الأوسط قد يمتد إلى المنطقة بأسرها، وقد منح ترامب طهران مهلة شهرين لقبول اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى تقليص إيران لوجودها النووي أو القضاء على برنامجها بالكامل.
ومن أجل تعزيز المصالح الأمريكية المباشرة، ومع إطلاقه الحقبة الجديدة من التعريفات الجمركية، نسف ترامب القواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، والتي لم تستثن حتى حلفاءه، الذين تربطه بدولهم علاقات اقتصادية طويلة الأمد ومنفعة متبادلة وتحالفات جيوسياسية هامة. وتشير التوقعات أن نظامًا اقتصاديًا ناشئًا تحدده الحمائية والتوترات يمكن أن يتشكل. مثل هذا النظام الذي يفاقم من عدم اليقين، ويضر بالاستثمار التجاري ويقلص الصناعات المعتمدة على سلاسل التوريد وقد يزيد من المخاطر الجيوسياسية، وقد أكدت المديرة العامة لصندوق النقد العربي على أن الآثار المترتبة على الاقتصاد من إجراءات التعريفة "تشكل بوضوح خطرًا كبيرًا على الآفاق العالمية في وقت يتسم بتباطؤ النمو، وناشدت الولايات المتحدة وشركائها التجاريين للعمل بشكل بناء لحل التوترات التجارية والحد من عدم اليقين".
ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، من المتوقع أن تستمر سياساته في الشرق الأوسط بنفس النهج القائم على تعزيز المصالح الأمريكية المباشرة، ومواجهة إيران، ودعم إسرائيل والحلفاء الخليجيين. كما قد تشهد المنطقة مزيدًا من الضغط من أجل تفعيل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.
التغيرات المحتملة للسياسة الأمريكية
تشهد توجهات سياسة البيت الأبيض الحالية تحولات كبيرة وتغيرات قد يترتب عليها تغيير في التحالفات والعلاقات في المشهد العالمي والعربي. وعلى الرغم من أن الدعم الأمريكي لإسرائيل دائمًا حاضرًا في السياسة الأمريكية الخارجية، فإن سياسة ترامب لن تخرج عن نفس السياق، بل ستواصل تعزيز التعاون السياسي وتقديم الدعم العسكري، في ظل سياسته التي لا تحمل أي تصور جاد نحو الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وبالنسبة لعلاقة الولايات المتحدة وإيران فهي تُعدّ من أكثر العلاقات تعقيداً في الساحة الدولية، على الرغم من اعتقاد ترامب أن موضوع إيران مهمةً لم تُنجَز في ولايته الأولى، وأنه جاد في إنجازها في ولايته هذه.
- التغيرات والدعم لإسرائيل:
تعتقد الولايات المتحدة على مدى قرون أن الأمن الإسرائيلي لا ينفصل بحال من الأحوال عن الأمن القومي الأمريكي. من هذا المنطلق فإنه من ثوابت السياسة الأمريكية العمل على ضمان دعم إسرائيل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية والتكنولوجية وكافة المستويات. فهي ليست فقط تحتفظ بمخازن أسلحتها في الشرق الأوسط، والذي سمحت لإسرائيل مؤخرًا لاستخدامها في إبادة الفلسطينيين في غزة، بل هي أيضًا شريكها التجاري الأول، فقد بلغ حجم التجارة بين الجانبين 36 مليار دولار في عام 2013م، ارتفع في 2023م، إلى 50 مليار دولار. ومع استئناف إسرائيل حربها على غزة بعد وقف إطلاق النار، وبعد كل المجازر التي ارتكبتها في حق الشعب الفلسطيني، رفضت إدارة ترامب الدعوة إلى وقف إطلاق النار بدعوى أن الحرب مبررة دفاعًا عن النفس، وأنكرت الإدارة تنفيذ إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية في غزة. وبدا واضحًا حجم التوافق الأيديولوجي الأمريكي – الإسرائيلي، الذي يبرز أن تأثير اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة سيظل هو ما يرسم ملامح السياسة الخارجية الأمريكية بالنسبة إلى تطورات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي مستقبلًا.
وعلى الجانب الآخر أثارت تصريحات ترامب حول مستقبل غزة الكثير من الامتعاض لدى الدول العربية، ويراها عمر عبد الرحمن بأنها "واحدة من أغرب وأفظع وأخطر التصريحات التي أدلى بها أي رئيس أمريكي بشأن أي قضية. ونظراً للمكانة البارزة التي احتلّتها غزة في الوجدان العالمي طوال الأشهر الستة عشر الماضية، فإنّ نهج ترامب سيترك تداعيات تتجاوز حدود القطاع الضيّقة، ما قد يؤدّي إلى ردود فعل دولية واصطفافات جيوسياسية غير متوقّعة." (فيراير2025م).
وكرد عربي على اقتراح ترامب بإعادة إعمار غزة من خلال إطار استثماري عقاري يركز على تهجير الفلسطينيين من القطاع، تم تقديم خطة إعادة الإعمار والتنمية في قطاع غزة، بعد القمة التي عقدت في القاهرة في 4 مارس2025م، إلا أن إسرائيل والولايات المتحدة رفضتا الخطة العربية، بحجة أنها فشلت في معالجة الحقائق على الأرض، فلم تذكر صراحة نزع سلاح غزة، ولم تقدم معالجة لمستقبل حماس في القطاع، بل إنها دعت إلى تسهيل عودة السلطة الفلسطينية، وعارضت التهجير، في حين أن إسرائيل تسعى إلى تنفيذ رؤية ترامب في هذه القضية. وحسب تقرير لمركز الإمارات للسياسات “فإن الخطة يمكن أن تصبح موضوعًا للتفاوض بين الدول العربية والجانبين الإسرائيلي والأمريكي، إذا أسفرت المناقشات حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل عن وقف دائم لإطلاق النار أو هدنة طويلة الأمد".
ومن ضمن أهداف إدارة الرئيس ترامب توسيع عملية التطبيع مع إسرائيل، إلا أن الحرب على قطاع غزة خلقت تحديات هيكلية جعلت العودة لمرحلة التطبيع التي سبقت السابع من أكتوبر أمراً صعباً في ظل التعنت الإسرائيلي وحجم الموت والدمار الهائل في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية. ويؤكد حسين ابيش على أن "إحدى الطرق لتقييم الضرر هي محاولة تحديد وفحص العقبات التي تحول دون العودة إلى الأمر الواقع المفتوح نسبيًا أمام عملية التطبيع والمسار الذي كان موجودًا قبل الحرب في غزة. وأن تكلفة الخطوات الأولى في التطبيع قد أصبحت مرتفعة بشكل ملحوظ".
- التغيرات ومستقبل البرنامج النووي
تولى ترامب منصبه مع تأكيده على التعامل مع إيران وتصعيد الضغط عليها خصوصًا في ظل ضعف موقفها في أعقاب العمليات العسكرية الإسرائيلية وسقوط نظام بشار الأسد، والذي قوض قدرتها وأفقدها مصدر نفوذها السياسي في المنطقة. فقد وقّع الرئيس الأمريكي في الأسابيع الأولى من ولايته مذكّرة لاستئناف حملة “الضغط الأقصى” على إيران، والتي تهدف إلى المزيد من العقوبات تستهدف القطاعات الاقتصادية الإيرانية المختلفة وتحد من إيراداتها النفطية وتمنعها من الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها، مع تشديد الإجراءات التنظيمية على القطاع المالي. بالإضافة إلى تعميق العزلة السياسية لطهران في الساحة الدولية. كما تضمنت الإجراءات مزيدًا من التحركات العسكرية في المنطقة، برزت مؤخرًا في تعزيز وجود القوات الأمريكية في الخليج والبحر الأحمر والتصعيد الحالي في اليمن ضد ميليشيات الحوثي.
وعلى ما يبدو أن استراتيجية الضغط الأقصى تهدف إلى إجراء تغييرات جوهرية في سياسات إيران الأمنية، ليس فقط بتقديم تنازلات كبيرة بشأن البرنامج النووي بل أيضا بشأن الصواريخ الباليستية وأنشطتها الإقليمية التي تزعزع استقرار المنطقة. وترى سارة بازوباندي أن مثل هذه التنازلات تضع قادة إيران أمام معضلة عميقة: إما الانخراط في مطالب يعتبرونها تهدد سيادتهم وعقيدتهم الأمنية، أو الحفاظ على التحدي والمخاطرة باستمرار العزلة الدولية والمصاعب الاقتصادية.
على ما يبدو أن نهج ترامب تجاه إيران واضح تماماً، ففي الوقت الذي أصدر البيت الأبيض مذكرة رئاسية تدعو لتنفيذ حملة “الضغوط القصوى” على إيران، مع السعي إلى “إيقاف صادرات النفط الإيرانية تماماً”، أعلن ترامب أنه يريد التفاوض على “اتفاقية سلام نووي” مع إيران يظهر فيها براعته في إبرام الصفقات على المسرح الدولي للتوصل لاتفاق مختلف اختلافًا جوهريًا عن خطة العمل لعام 2015 م، والتي ندد بها ترامب ووصفها بأنها "أسوأ صفقة في التاريخ ". لذلك بعث في مارس الماضي رسالة إلى المرشد الأعلى آية الله خامنئي بشأن المفاوضات المحتملة، وتم تعيين ستيف ويتكوف كمبعوث خاص لإيران. رغم أن خامنئي لم يعترف بداية بمبادرة ترامب، وألقى خطابًا أدان فيه ما وصفه بــ "الحكومات المتنمرة" التي "تصر على المفاوضات" بينما تنوي نوايا "ليس لإيجاد حل" بل "لإملاء إرادتها على إيران".، إلا أن إيران قبلت باجتماع رفيع المستوى وغير مباشر في سلطنة عمان، اعتبرها عراقجي، وزير الخارجية الإيراني " فرصة بقدر ما هي اختبار، والكرة في ملعب الولايات المتحدة". ويرى محمد حسن سعد أن تعيين مبعوث خاص لإيران خطوة ذات دلالات استراتيجية تعكس رغبة الإدارة الأمريكية في الجمع بين الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية والسياسية في التعامل مع الملف الإيراني، ورغم أن هذا التحرك قد يبدو للوهلة الأولى بمثابة تحول نحو مسار أكثر مرونة، إلا أن الواقع يشير إلى أنه يأتي ضمن استراتيجية مزدوجة تعتمد على منح إيران فرصة للحوار، مع استمرار الضغوط القصوى لإجبارها على تقديم تنازلات.
وقد انتهت الجولة الأولى من محادثات «الغرف المنفصلة» في مسقط، اليوم السبت 12 أبريل، بين الوفد الإيراني برئاسة عراقجي، ويتكوف، بنتائج وصفت من الجانبين بأنها إيجابية وبناءة. وقد تم تحديد موعدًا للجولة الثانية من المفاوضات يوم السبت ، 19 أبريل، ومن المرجح أن تعقد في أوروبا، وقد تكون في روما.
وتلعب إسرائيل دورًا محوريًا في التعامل مع الملف النووي الإيراني، حيث تعتقد أنها تجد نفسها والولايات المتحدة، في وضع يسمح لهما باستغلال موقف إيران الضعيف لتحقيق هدفهما الاستراتيجي. وترى إسرائيل أن أي قيود على البرنامج النووي الإيراني يجب أن تتماشى مع مصالحها الأمنية. لذلك فإنها تعارض أي ترتيب يمكن أن يساهم في إغاثة إيران اقتصاديًا. وترى أن أية معالجة يجب أن تشمل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، والأنشطة الإقليمية بالوكالة التي تزعزع استقرار المنطقة، وتطالب إسرائيل بضرورة أن يتطلب "اتفاق ترامب" المزيد من التنازلات الموسعة من إيران حيث أن احتمال تخفيف العقوبات وتحسين وضع إيران الاقتصادي دون تغيير جذري في سلوكها الإقليمي تعده إسرائيل من المخاوف الرئيسية.
ورغم التفاؤل الذي انبثق عن الجولة الأولي للمباحثات الأمريكية الإيرانية، إلا أن محمد زغول يرى أنه "لنْ يكون الوصولُ إلى الاتفاق المنشودِ سهلاً وسريعاً، حتى إذا افترضنا أنّ الجانبين يبذلان كُلَّ جهودهما للتوصُّل إلى اتفاقٍ سريعٍ، وأنّهما قادران على جَسْر الهوّة الشاسِعة جدّاً بين رؤيتيهما، فلا بُدّ لكُلٍّ منهما من التفكير في سُبُلٍ لمواجهة الاعتراضات الداخليّة، والعوائق القانونيّة والسياسية التي فرضها، ويفرضها الجدل الدّاخلي بشأن هذه المفاوضات. وكُلُّ ذلك ممّا يحُدُّ من التفاؤل بشأن نتيجةٍ سريعةٍ وحاسمةٍ للمفاوضات (مركز الإمارات للسياسات أبريل 2025).
انعكاس سياسات ترامب على دول المجلس
تشكل دول مجلس التعاون جزءًا أساسيًا من استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومن المتوقع أن تظل هذه العلاقة محورية، خصوصًا فيما يتعلق بمحاربة النفوذ الإيراني وتعزيز القدرات العسكرية من خلال مبيعات الأسلحة المتطورة لمواجهة التهديدات الإيرانية، وقد يواصل توسيع التعاون الاستخباراتي، والأمني ضد الميليشيات المدعومة من إيران في اليمن والعراق. هذا التعاون سيكون ذا طابع أمني متزايد، يتضمن تبادل المعلومات حول الإرهاب، الميليشيات، وأي تهديدات قد تنشأ في المنطقة.
وفي ظل الصراعات والأزمات والتحولات الجيوسياسية التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط على مدار العام الماضي، حاولت دول مجلس التعاون النأي بالنفس وتجنب الانجرار إلى تلك الصراعات بل سعت إلى لعب أدوارًا إيجابية لنزع فتيل الأزمات المشتعلة في أغلب دول الشرق الوسط. وعلى الرغم من حرصها على تجنب أي تورط في الانتقام الإسرائيلي المتوقع، وتأكيدها على الحياد في المواجهة الثنائية الإسرائيلية الإيرانية وتصميمها على عدم الانحياز إلى أي طرف بأي شكل من الأشكال إلا أن المواجهة مع إيران قد تصل إلى أعتاب دول المجلس، خصوصًا مع تهديد إيران الواضح بعواقب وأعمال انتقامية عسكرية، لأي دولة تسمح لإسرائيل أو الولايات المتحدة باستخدام مجالها الجوي في هجمات جوية محتملة ضد إيران. كما أن الحرب على غزة زادت من المخاوف الأمنية الخليجية، خصوصًا في ظل تعرض دول المجلس للعديد من الهجمات الصاروخية من قبل وكلاء إيران خلال السنوات الماضية ، ويشير حسين ابيش (2025) إلى أن دول المجلس أصبحت إلى حد كبير متفرجًا على عمليات صنع القرار في القوى التي تسعى إلى التصرف لمصالحها الخاصة، ولكنها قد تحاول إعادة تشكيل المعادلة الاستراتيجية الإقليمية لتناسب أغراضها الخاصة، رغم أنها تفتقر إلى القدرة على اتخاذ إجراءات تقلل من تعرضها للهجوم أو تشكل رادعًا كافيًا يضمن عدم تعرض إسرائيل أو إيران لأمنهما القومي للخطر، وهذه "نقطة ضعف لم يتمكنوا من حلها سواء من خلال استعدادهم العسكري أو من خلال تقليل الاعتماد على واشنطن، التي "لا يمكن التنبؤ بقراراتها ولا يمكن الوثوق بها، خاصة عندما يتعلق الأمر بكبح جماح إسرائيل".
وبالرغم من أن ترامب سعى إلى فتح قنوات للتفاوض مع طهران وبشروط أكثر صرامة مما سبق، إلا أن المواقف الإيرانية الثابتة قد تجعل هذا الخيار صعب التنفيذ، مما قد يضيف تعقيدًا إضافيًا إلى الأوضاع في المنطقة. وفي ظل التقارب الذي حدث مؤخرًا مع إيران من أجل تهدئة التوتّرات وتعزيز الاستقرار في المنطقة، فإن دول المجلس لا ترغب الانجرار مجدّداً إلى مواجهة معها بعد أن رمّمت علاقاتها معها مؤخّراً. لذلك فإن أي موقف عدائي لإدارة ترامب الجديدة ومع غياب أيّ مسارٍ باتّجاه حلّ نهائي قابل للاستمرار مع طهران من المتوقع ألا يلقى قبولًا من دول المجلس.
ويرى خالد الجابر(2025) أنه لا بدّ من أن تتكيّف واشنطن مع الأولويّات المتغيّرة في المنطقة، لا سيّما تهدئة الصراعات الإقليميّة لتتمكّن من التركيز على التنويع المحلّي وبرامج الإصلاح، وإلّا فإنّها تخاطر بفقدان موقعها وتأثيرها في منطقةٍ ذات أهميّة استراتيجيّة حاسمة، فإذا استمرّت الولايات المتحدة في التركيز على المعاهدات الدفاعيّة وحدها من دون معالجة الاحتياجات الاقتصاديّة والدبلوماسيّة الأوسع، قد تدفع الدول الخليجيّة أكثر إلى دائرة نفوذ بكين وموسكو، ما يغيّر تحالفات المنطقة بشكلٍ جذري ويحدّ من نفوذ واشنطن.
وفي حين أن التوقعات تشير إلى أن المؤشرات الاقتصادية لدول مجلس التعاون في عام 2025م، جيدة، فالاقتصاد غير النفطي ينمو بقوة، والتضخم تحت السيطرة، ومعدل البطالة يتراجع في أغلب دول المجلس. إلا أن سياسة ترامب التجارية أثارت هلعًا واضطرابًا في الأسواق العالمية. ومن المؤكد أن أسواق دول مجلس التعاون ستتأثر حتمًا بما يحدث في الاقتصاد العالمي نتيجة حساسية اقتصاداتها العالية لما يجري في هذه الأسواق. إن التأثير لن يكون فقط على الأسواق المالية، والقطاعات المدرجة في بورصات المنطقة، بل أن التأثير سيطال القطاعات الأخرى. وذلك نتيجة أن التجارة الخارجية لدول المجلس تمثل نسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، وأن أغلب منتجاتها ذات حساسية عالية لتقلبات العرض والطلب، ولذلك فإن رسوم ترامب ستؤثر على أسعار النفط، والبتروكيماويات والألمنيوم وغيرها من القطاعات مما يشكل عاملًا مؤثرًا على الاقتصاد الخليجي.
ورغم صعوبة التنبؤ بتأثير هذه السياسات في هذه المرحلة المبكرة، فإنها من الممكن أن تخلق فرصًا وتحديات، فمع سياسة ترامب الرامية لدعم صناعة النفط الأمريكية، وتعزيز الإنتاج النفطي، قد يؤثر سلبًا على أسعار النفط. ومع تشديد العقوبات على صادرات النفط الإيرانية، مما قد يقلل المعروض في سوق النفط العالمية، قد يعود بفوائد على النمو في دول المجلس وعلى التوازنات المالية والعامة. إلا أنه من الممكن أيضًا أن يضغط الرئيس الأمريكي على حلفائه من دول المجلس ومنظمة أوبك لخفض أسعار النفط، ومع زيادة إنتاج تحالف أوبك بلس كما هو مخطط له، قد يحدث انخفاضًا حادًا في الأسعار خصوصًا لو ترافق ذلك مع زيادة الإنتاج من الدول غير الأعضاء في تحالف أوبك بلس.
لقد انخفضت أسعار نفط برنت بنسبة 20٪ خلال الأسابيع الماضية، بحيث أن سعر التداول أصبح حول 60 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى منذ عام2021.م، هذا الانخفاض إذا استمر ستكون له تداعيات كبيرة على الوضع المالي للموازنات الحكومية في دول المجلس.
وفي نفس السياق فإن تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على شركائه التجاريين في كندا، المكسيك والصين والاتحاد الأوروبي، سوف تستدعي ردود أفعال من البلدان المتضررة، وسوف تزيد من خطر تصعيد الحرب التجارية مع تداعيات سلبية على النمو العالمي، والتي قد تؤثر سلباً على الاستثمار والتوظيف والنمو. وبالرغم من أن هذه التطورات قد تخلق فرصاً جديدة لاقتصادات دول المجلس إلا أنها قد تفرض أيضاً بعض التحديات. فقد تساهم مثل هذه الرسوم الجمركية المفروضة على بعض الدول على توسيع حصة دول المجلس من منتجاتها البتروكيميائية في الأسواق الأمريكية، إلا أنها في نفس الوقت قد تقلل من حوافز العديد من الشركات في الإنتاج في الخارج، مما سيكون له تأثير سلبي على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر التي تحاول دول المجلس جذبه للمساعدة في عملية تنويع اقتصادها. (تم كالن:2025).
وعلى الصعيد الآخر، فإن الزيادة في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة من شأنها أن ترفع من تكلفة الاقتراض في الوقت الذي تواصل فيه بعض دول المجلس الاقتراض بكثافة لتمويل المشاريع الطموحة لرؤاها الاستراتيجية. كما أن تباطؤ النمو العالمي أيضًا قد يؤثر على التضخم والسياسة النقدية، والتجارة والاستثمار. وفي ظل بيئة ذات أسعار فائدة مرتفعة، قد يواصل الدولار ارتفاعه، ونظراً لارتباط أغلب دول المجلس به، فقد تتراجع القدرة التنافسية للقطاعات الناشئة في دول المجلس، مثل السياحة، والتجارة وغيرها. وفي حين أن ترامب يتوقع من دول المجلس زيادة استثماراتها ومشترياتها لدعم الاقتصاد الأمريكي، وقد تكون زيادة الاستثمارات قد تجلب عوائد جيدة على المدى الطويل، إلا أنها قد تقلص الاستثمار المحلي مما قد يؤثر على النمو.