في خضم هذه التحولات الجوهرية، تواجه الحكومة السورية الانتقالية تحديات كبيرة في المحافظة على الأمن والاستقرار ومباشرة إعادة بناء ما دمرته الحرب وإصلاح ما ساهم به نظام الأسد الفاسد والمستبد من تمزيق الوطن ومكوناته. وحيث أن تحقيق الاستقرار في سوريا، يتطلب أيضًا تمكينها اقتصاديًّا، وذلك لا يمكن تحقيقه دون رفع العقوبات المفروضة، التي تعرقل جهود إعادة الإعمار، وتثقل كاهل الشعب السوري، وتمنع الاقتصاد من استعادة عافيته.
ومن أجل استعادة سوريا إلى الحضن العربي، وتجنب تمزقها إلى دويلات متناحرة، وتحصينها ضد الأجندات الخارجية مع إعادة تأهيل ما دمرته الحرب، تبرز أهمية الدور العربي وبالأخص دول مجلس التعاون.
- التحديات التي تواجه سوريا في العهد الجديد
لقد دمر النظام المخلوع سوريا من خلال سياسات العنف والقمع لأكثر من نصف قرن، تاركًا إرثًا من الإرهاب والاستبداد ومخلفًا دمارًا ماديًا وبشريًا واجتماعيًا، ومع سقوطه تواجه الحكومة السورية الانتقالية تحديات جسيمة لا تعد ولا تحصى على المستوى الداخلي والخارجي يمكن أن تعرقل محاولتها لتحقيق الأمن والاستقرار وتطوير مؤسسات الدولة. فعلى المستوى الداخلي تواجهَ الحكومة الجديدة تحدياتٍ كبيرةً في محاولة إنشاء نظامٍ سياسيٍ جديدٍ قائمٍ على التعددية والديمقراطية، فنجاحها يتحدد أولا بقدرتها استعادة وضبط الأمن وفرض الاستقرار من خلال الحوار الوطني الشامل الذي يمثل جميع الأطراف لكسب ثقة الأغلبية من السكان وضمان تعاونهم على مكافحة الإرهاب وحصر العنف الذي دمر الدولة. ويأتي بعد ذلك قدرتها على تأمين توافق سياسي بين الفصائل المختلفة بضمُ جميعَ الأطراف، وبمشاركة طيف واسع من القوى السياسية في الحكومةٍ الانتقالية حتى يتم تجنب صراعاتٍ جديدةٍ بين القوى المختلفة ويحقق تطلعات الشعب السوري في الأمن والأمان. لا خلاف أن الحوار الوطني الشامل الذي يمثل جميع الأطراف، وأن المشاركة الشاملة لكافة القوى السياسية في الحكومة الانتقالية قد يكون ضمانة رئيسية لاستعادة الأمن والاستقرار، وبالرغم من تأكيد الحكومة الجديدة أنها لن تستثني أي مكون من مكونات النسيج الوطني، وأن الحكومة ستضم جميع الأطراف، إلا أنه في ظل النسيج المتنوع من الطوائف العرقية والمذهبية والإثنية يبدو الوضع أكثر تعقيدا، ليس من السهولة أن يلتئم شمل الوطن بجلوس الطوائف بتنوعاتها العرقية والمذهبية ليستعيد الوطن عافيته ويبدأ في إعادة بناء مؤسساته وحصر العنف المشروع في الدولة لأن ذلك يتطلب في المقام الأول " أن يتم خلع كل العباءات الانتمائية الفرعية وأن ينتهي إلى غير رجعة اعتبار الطائفة أو القبيلة والعشيرة أو المذهب أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء الديني خطوطًا حمراء عند أصحابها لا يجوز الاقتراب منها، وإذا اقترب أحد منها فليذهب الوطن والكل الوطني إلى الجحيم"(الجمال: 2025). وقد ظهر ذلك جليًا في الأحداث الأخيرة التي اجتاحت مدنًا كثيرة في الساحل السوري. فمع فرار الأسد وحل الجيش السوري وفرار الميليشيات الداعمة له، يزداد القلق حول نشاط بعض الفصائل المسلحة والمتطرفة، والتي قد تكون أقوى من الدولة الناشئة نتيجة الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من الخارج، وقد برز ذلك في الأحداث المأسوية الأخيرة في الساحل السوري الذي ترك بلا حماية كافية من قبل القوى الأمنية مما زاد من وتيرة الانتهاكات من قتل وتنكيل ومجازر.
والمفارقة أنه رغم أن العديد من الدول الأجنبية لديها قوات ناشطة على الأراضي السورية، إلا أن أي منها لم تتحرك لتوفير الحماية. مما يعطي انطباع أن تلك الدول على ما يبدو تستثمر في المجازر الجماعية، وترى مصلحة في استمرارها ضمن حدود معينة، وعلى ما يبدو أنها "كانت تنتظر وصول عدد القتلى إلى مستوى معين لتندفع إلى التحرك دبلوماسيًا واستثمار ذلك في زيادة ضغوطها على دمشق، مما يجعل القدرة على بسط السيطرة على الجزء الأكبر من البلاد وعدم السماح للميليشيات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة بالتواجد من التحديات الكبيرة التي تواجه حكومة الشرع.
وتختصر رشا الجندي (2025) الوضع في سوريا بالإشارة إلى أن الشرع حقق نجاحًا ملحوظًا على الساحة الدولية، إلا أنه يواجه الآن التحدي المتمثل في توحيد السوريين داخليًا وإقناعهم بأنه وحركته مهتمون بتطلعات الشعب ويمكنهم قيادة المرحلة الانتقالية بعد الأسد بمسؤولية، و "إذا نجح الشرع في إزالة الكراهية الطائفية من قلوب كل الفصائل، فيمكنه فعل أي شيء".
ويؤكد أحمد محمد فهمي أنه في ضوء التحولاتِ التي أعقبتْ سقوطَ نظام بشار الأسد، تبدو سوريا أمام مفترقِ طرقٍ في تاريخها، وتظلُ الأسئلةُ مفتوحةً حول مدى قدرة البلاد على تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، أو إذا ما ستواجه مزيدًا من الصراعات الداخلية بين القوى المتباينة التي تسعى لتحقيق مصالحها، كما ستلعبُ التأثيرات الإقليمية أيضًا دورًا كبيرًا في تشكيلِ المستقبل السوري، حيث ستعيد القوى الإقليمية والدولية تقييمَ استراتيجياتها لضمان مصالحها في هذا السياق المتغير. لذا، يكمنُ التحدي الأكبر في كيفيةِ إدارة هذه التحولات بطرقٍ تضمنُ وحدةَ سوريا واستقرارها، وتفتحُ الباب أمام مرحلةٍ من البناء والتعاون الدولي الذي يحققُ التطلعاتِ المشروعةَ للشعب السوري في الأمن والازدهار.
وعلى الصعيد الآخر، تعقد التحديات الاقتصادية الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا مما يجعل المعالجة العاجلة ضرورية لتجنب رد الفعل العنيف ضد الحكومة الجديدة أو المزيد من انعدام الأمن الذي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية. حيث تشير تقديرات البنك الدولي أن خسائر الحرب السورية حتى يناير 2022م، تراوحت ما بين 8.7 إلى 11.4 مليار دولار، وشكلت خسائر البنية التحتية ما يعادل 86% من الإجمالي وتراوحت ما بين 8.7 إلى 11.4 مليار دولار. كما أن الاقتصاد السوري تراجع بنسبة 84 % خلال الفترة بين عامي 2010 و2023 م، وهبط إلى المرتبة 129، بعد أن كان في المرتبة 68 بين 196 دولة، وانكمش الإنتاج الكلي من 67.5 مليار دولار في 2011م، إلى 9 مليارات دولار بنسبة انخفاض بلغت 85 %، وتدهورت قيمة الليرة السورية من نحو 45 و54 ليرة للدولار إلى أكثر من 13 ألف ليرة للدولار في 2023م، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع التضخم إلى 140 %مقابل 4.8 % في 2011م، مما ساهم في زيادة عدد السوريين المسجلين تحت خط الفقر من 47.7 % في عام 2009 إلى 96 % في 2011م. ومع تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 54٪ منذ 2010-2021م، ونزوح أكثر من 4.82 مليون شخص بما يعادل خمس سكان البلاد خارج سوريا وأكثر من 30% من السكان نازحين داخليًا حتى ديسمبر 2024م، تتفاقم مشكلة الفقر وتتعقد محاولة إعادة الإعمار، وبالأخص كلفة إعمار البنية التحتية التي قدرت بين 800 و900 مليار دولار حسب تقدير كل من المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف والجامعة العربية على التوالي.
وفي حين أن الحكومة الجديدة أدركت التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها الشعب السوري نتيجة الارتفاع الكبير في تكاليف المعيشة، وحاولت مؤخرًا زيادة أجور موظفي القطاع العام بنسبة 400٪، إلا أن عدم توفر التمويل الكافي محليًا، وإعاقة العقوبات الاقتصادية الأمريكية قطر من دفع مقدار الزيادة في رواتب الموظفين الحكوميين أدى إلى تراجع الحكومة الانتقالية عن الوفاء بالتزامها.
وحيث أن تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلب تمكينه اقتصاديًا، لن يتأتى ذلك دون رفع العقوبات المفروضة التي تعرقل عملية إعادة الإعمار بمنعها ضخ المساعدات وتعطيل الاستثمارات الواردة لسوريا. فالعقوبات الأمريكية والأوروبية، التي فرضت على النظام السابق منذ عام 1997م، على أساس أنه راع للإرهاب، وعقوبات أخرى، مع ارتكابه جرائم أثناء الحرب الأهلية في 2004و2005 و2011م، وثم قانون قيصر الذي فرض في عام 2019م، الذي استهدف الشركات والأفراد الداعمين لنظام بشار الأسد، وتشكل عائقًا أمام الحكومة الجديدة للبدء بعملية إعادة الإعمار ويفاقم الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد.
إن التحديات الاقتصادية الهائلة والعقوبات المفروضة تحد من قدرة الحكومة على تقديم الخدمات، وإعادة الإعمار، مما يجعل قدرتها على الحكم بفعالية تصبح على المحك وتثير العديد من التساؤلات. إلا أنه، وكخطوة أولى على طريق إنعاش النشاط الاقتصادي، نجحت القيادة السورية الجديدة بالتفاوض مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل إعادة النظر في قضية العقوبات المفروضة على سوريا، فقرر الاتحاد الأوروبي، بموجب ذلك، تعليق سلسلة من العقوبات المفروضة والتي تشمل القيود عن بعض المؤسسات المالية ومن ضمنها المصرف الصناعي، ومصرف التسليف الشعبي، ومصرف التوفير، والمصرف الزراعي التعاوني، مع تعليق العقوبات على قطاعات النفط والغاز والكهرباء والنقل، ومؤسسة الطيران العربية السورية. ومن أجل تسهيل العمليات المالية الضرورية، تم السماح بإتاحة الموارد الاقتصادية لمصرف سوريا المركزي. إضافةً إلى تقديم استثناءات من الحظر المفروض على العلاقات المصرفية بين البنوك السورية والمؤسسات المالية الأوروبية.
على الجانب الآخر، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية "ترخيصًا عامًا" لمدة ستة أشهر في يناير 2025م، يسمح باستثناء مجموعة محدودة بما يسمح للحكومة الجديدة إجراء بعض المعاملات المحدودة لتسهيل تقديم بعض الخدمات العامة والتحويلات الشخصية. ومع ذلك فإن الحاجة تبدو أكثر إلحاحًا لرفع المزيد من العقوبات لتمكين إعادة الإعمار على نطاق واسع وجذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها، مما يضمن الانتعاش الاقتصادي والاستقرار الإقليمي.
وتتفق العديد من الآراء إلى أن الوضع الاقتصادي لسوريا يمكن ترميمه وإعادة بنائه، في ظل ما تملكه البلد من مقدرات ومصادر طبيعية وبشرية هائلة ، يمكن استغلالها بصورة جيدة، من خلال خطة اقتصادية شاملة يتم التركيز فيها على استعادة ثقة الشعب والمستثمرين كما يرى المدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديز، والذي يؤكد على أهمية السيطرة على موارد النفط السوري الذي كانت عائداته تمثل سابقًا نحو نصف عائدات سوريا، وكان معدل إنتاجه قبل 2011م، يصل إلى 400 ألف برميل يومياً، وتستحوذ دير الزور، التي تسيطر عليها حاليًا قوات سوريا الديمقراطية، على 40% منه علاوة على العديد من حقول الغاز . و يشير جوشوا لانديز، أن السيطرة على موارد النفط السوري أمر مهم للإدارة السورية الجديدة على رغم أن ذلك لن يكون أمراً سهلاً (الاندبندنت : 2025). ناهيك عما تمتلكه سوريا من موقع جغرافي متميز، وأراضي زراعية كبيرة وإنتاج متطور وقطاع سياحي نشط، وصناعات من أبرزها صناعة المنسوجات. وفي الساحل السوري، تملك موارد مائية وثروة سمكية. لذلك فإنه من الممكن إعادة إحياء الاقتصاد السوري وإعادة بناء الصناعة، إذا تم إرساء الأمن والاستقرار، وإطلاق الطاقات الإنتاجية (حبيب البدوي: اندبندنت عربية: 2025.). وفي ظل المعاناة الاقتصادية والدمار الشامل تبرز أهمية الدعم والتوافق العربي الذي يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في دعم الشعب السوري وتخفيف معاناته.
- دور الدول العربية ودول المجلس لمواجهة سوريا للتحديات
قد تبدو الجهود الحالية للإدارة السورية الجديدة واعدة لكنها غير كافية وتحتاج إلى شراكة حقيقية بين الداخل والخارج، بدءًا من دعم الدول العربية مرورًا بحوار وطني شامل وصولًا إلى إعادة بناء المؤسسات واستعادة دور سوريا التقليدي كمركز استقرار في المنطقة.
إن استعادة سوريا لموقعها الطبيعي في قلب العالم العربي ضرورة استراتيجية وخطوة هامة لإعادة استقرار المنطقة، ومع التصريحات الواضحة للرئيس الانتقالي “أحمد الشرع “، التي حددت خارطة طريق للسياسة الخارجية، وأكدت بشكل صريح، على أهمية العلاقات العربية، لا سيما مع دول الخليج، ومع تأكيده أن "الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام، ولن يُسمح بتصديرها إلى أيّ مكان آخر". يبرز أهمية الدور العربي في المساندة والدعم على كافة المستويات. فمساندة سوريا اليوم، هو ضمان للمحافظة على وحدتها وحفظًا على الأمن العربي والإقليمي. لقد أسهم سقوط نظام الأسد في إخراج إيران وميليشياتها من سوريا، فقد كان النظام السابق أشبه بمحور إيراني داخل المنطقة، وسقوطه يعني نهاية حقبة نفوذ إيراني مباشر، مما يعني أنه مكسبًا هامًا للأمن العربي. ويحذر عصام هيطلاني أنه مع سقوط النظام السابق، أصبحت سوريا في حالة من الضبابية السياسية والاقتصادية، ما قد يجعلها "عرضة لصراع العديد من المشاريع الإقليمية والدولية التي تتنافس على ملء الفراغ الذي خلفته الأزمة." مما يجعل الحاجة ملحة "لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، ليس فقط لصالح سوريا نفسها، ولكن أيضاً من أجل تعزيز وحدة الصف العربي والدفاع عن مصالحه بما يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي". إن توحيد الجهود العربية لدعم وتعزيز العلاقة مع سوريا تعد أهمية استراتيجية للتصدي للمطامع الأجنبية والمشاريع المتصارعة لتقسيم سوريا لدويلات والتصدي للسياسات الإسرائيلية التوسعية. يضاف إلى ذلك إن التنسيق والتفاهم العربي تجاه سوريا، قد يشكل ضغطاً على القوى الأجنبية المتواجدة على الأراضي السورية للانسحاب أو الدخول في تفاهمات سياسية تعيد وحدة الأراضي السورية واستعادة السيادة على كامل التراب الوطني. ويشدد فراس النائب على أن "الدور العربي يجب أن يركز على توحيد المعارضة السورية وتقديم خارطة طريق للحل السياسي"، مضيفًا أن "أي انقسام داخلي قد يفسح المجال أمام القوى الأجنبية لتعزيز نفوذها".
وحيث أن الوضع السوري يعتبر جزءاً من المعادلة الأمنية في العالم العربي، فالركيزة الأولى لأي تحرك عربي أو إقليمي يفضل أن يكون بالتأكيد على تعزيز السيادة الوطنية بما يضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية ودون إملاءات خارجية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. ويتأتى ذلك من خلال دعم مسارات الحلول السلمية وإنهاء الصراعات المسلحة التي أرهقت الدولة السورية. ومن أجل سوريا مستقرة وموحدة، لا بد من الانفتاح على الحوار والعمل الجماعي الذي يضع المصلحة السورية والعربية فوق كل اعتبار، مما يتطلب تعزيز التوجهات العربية نحو رؤية استراتيجية واضحة توازن بين الواقعية السياسية واحترام السيادة، مع إيمانٍ بأن وحدة سوريا واستقرارها هما أساس لتعافي المنطقة.
تحركات دول المجلس لمساعدة الشعب السوري
لم تتوان دول مجلس التعاون من مساعدة الشعب السوري، وكانت استجابتها سريعة منذ بداية الأحداث التي واكبت تغيير النظام في سوريا، فبادرت إلى عقد اجتماع وزاري استثنائي لوزراء خارجية دول المجلس في دولة الكويت بحث خلاله وزراء الخارجية مجريات الأحداث، وأصدروا بيانًا أكدوا فيه على المواقف الثابتة لمجلس التعاون، ودعم جهود الوصول إلى عملية انتقالية شاملة وجامعة تحقق تطلعات الشعب السوري، والوقوف على الاحتياجات الإنسانية والإغاثية المطلوبة. وقد أكدت جميع دول مجلس التعاون على موقفها الثابت تجاه دعم استقرار سوريا وسيادتها على كامل أراضيها ووقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق، ودعمها لكل المساعي التي تهدف إلى تحقيق تطلعاته وتقديم الدعم اللازم لاستعادة الأمن والاستقرار والحياة الكريمة. ولم تكتف دول مجلس التعاون بأن تكون داعمًا فقط من خلال تقديم الإغاثة الإنسانية العاجلة، بل داعمًا أساسيًا للجهود الدولية لتحقيق السلام والأمن في سوريا من خلال تمسكها بموقف واضح تجاه الحل في سوريا، والذي لا يكون إلا عبر انتقال سياسي حقيقي، يحفظ سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، ويلبي تطلعات الشعب السوري في الأمن والاستقرار والعيش الكريم، وفقًا للمرجعيّات الدوليّة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وفي الاجتماع المشترك الأول في مكة المكرمة، والذي دشن مرحلة جديدة من العلاقات والتعاون المشترك، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي على "أن موقف مجلس التعاون ثابت تجاه احترام سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها ورافض للتدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية وللإرهاب والتطرف، مشيراً إلى أن أمن سوريا واستقرارها ركيزة أساسية من ركائز استقرار أمن المنطقة". وأكد عزم دول مجلس التعاون في الاستمرار تجاه اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تنسيق جهود دول المجلس فيما يُقدم من مساعدات إلى سوريا. ترافق ذلك مع السعي لدعوة الشركاء والدول والمنظمات المعنية لتقديم كل وسائل الدعم للشعب السوري الشقيق ورفع العقوبات المفروضة عليه ليتمكن من التعافي الاقتصادي وتلبية احتياجات الشعب السوري الإنسانية والتنموية.
الخاتمة
بعد قرابة عقدين من سيطرة نظام الأسد وانضواء سوريا تحت النفوذ الإيراني، أعاد سقوط النظام لسوريا فرصة التموضع مجددًا على المستوى الإقليمي والدولي بعد انفصالها عن المحيط العربي وانقطاعها عن التواصل الدولي. وبسقوط الأسد تعززت الآمال بمستقبل مزدهر لسوريا في ظل الحكومة الانتقالية. لكن فيما تحاول البلاد إعادة بناء اقتصادها، تظل هناك العديد من التحديات الجسام أمام هذه الآمال حيث لا يزال هناك أكثر من نصف السوريين نازحين داخليًا أو خارجيًا، وحوالي 90% يعيشون تحت خط الفقر، مما يجعل تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية أمرًا بالغ الأهمية لمستقبل سوريا، ولتوسيع مشاركة الشعب السوري في عملية الانتقال السياسي الحالية. ويتطلب التعافي وإعادة الإعمار أشكالًا من المساعدات المالية العربية والدولية، والاستثمارات الأجنبية اللازمة لإعادة الإعمار ودعم القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد.